Thursday, September 15, 2011

من هم هاروت وماروت


ورد ذكر اثنين من الملائكة في القرآن الكريم هما هاروت وماروت ، حيث يقول الله تعالى :" وما كفَرَ سليمانُ ولكنَّ الشياطينَ كفروا يُعلّمون الناسَ السحرَ وما أنزِل على الملكينِ ببابلَ هاروتَ وماروتَ وما يُعلّمانِ من أحدٍ حتَّى يقولا إنما نحنُ فتنةٌ فلا تكفُرْ فيتعلَّمونَ منهما ما يُفرّقونَ بهِ بينَ المرءِ وزوجِه وما هُم بضارّينَ بهِ من أحدٍ إلاَّ بإذن اللهِ ويتعلَّمونَ ما يضرُّهم ولا ينفعُهم " – سورة البقرة - 102.


كان من المخازي التي ارتكبها البعض من بني إسرائيل أنَّهم في عهد سيدنا سليمان تركوا الزَّبور كتابَ الله واتَّبعوا ما ألقَت إليهم الشياطين من كُتب السّحر. كانتِ الشياطين تصعدُ إلى الفضاءِ فتصلُ إلى الغمام والسحابِ حيثُ يسترقونَ السمعَ من كلامِ الملائكةِ الذين يتحدَّثونَ ببعض ما سيكونُ بإذن الله في الأرضِ من موتٍ أو أمر أو مصائب، فيأتون الكهنَة الكفار الذين يزعمون بأنّهم يعلمون الغيبَ ويُخبروهم، فتُحدّثُ الكهنةُ الناسَ فيجدونه كما قالوا، فلما ركنَت إليهم الكهنة، أدخلوا الكذبَ على أخبارهم فزادوا مع كل كلمةٍ سبعين كلمة، وكتبَ الناسُ ذلك الكلام في الكتب، وفشا في بني إسرائيل أنَّ الجنَّ والشياطين يعلمون الغيبَ والعياذ بالله.  فبعثَ سيدنا سليمان بعضَ جنوده وجمعَ تلك الكتبَ فجعلها في صندوق، ثم دفنها تحتَ كرسيّه، ولم يكن أحدٌ من الشياطين يستطيع أن يقتربَ من الكرسيّ وإلاّ احترقَ، وقال سليمان :"لا أسمعُ أحدًا يذكرُ أنَّ الشياطين يعلمونَ الغيبَ إلاّ ضربتُ عنقَه". وكان الشياطينُ مغتاظينَ من سيدنا سليمان لأنَّ اللهَ أعطاهُ سرًّا، فكانوا يطيعونه مع كفرهم، من غير أن يؤمنوا كانوا يخدمونه، يعملون له أعمالاً شاقة.

ولما ماتَ سيدنا سليمان، وقلّ عدد العلماءِ الذين عرفوا ماذا فعل سليمانُ بكتبِ السّحر وأنّه دفنها تحت كرسيّه، ومضى جيلٌ وأتى غيرُه، تمثّل إبليسُ في صورة إنسان، ثمّ أتى جماعة من بني إسرائيل، فقال لهم: هل أدلّكم على كنْزٍ لا ينفدُ بالأخذ منه؟ قالوا: نعم، قال :"إنّ سليمان لم يكن نبيًّا إنما كان ساحرًا، فاحفروا تحتَ كرسيّه"، فاعترض المسلمون وغضبوا وقالوا :" بل كان سليمانُ نبيًّا مسلمًا مؤمنًا". وعاد إبليس لتزيين الشرّ فوسوسَ للكفارِ من بني إسرائيل ممن صدقوا كلامَه وذهب معهم وأراهم المكانَ ووقف جانبًا، فقالوا له :"اقتربْ يا هذا"، فقال: لا، ولكنني ها هنا بين أيديكم، فإن لم تجدوا الصندوق فاقتلوني"، فحفروا فوجدوا الصندوق وأخرجوا تلك الكتب. فلما أخرجوها قال إبليس اللعين :"إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطيرَ بهذا السحر"، فقال الكفار :"لقد كان سليمان ساحرًا، هذا سِحرهُ، به كان يأمرنا ويه يقهرنا".ثم طار إبليس، وفشَا بين الناس أن سليمان كان ساحرًا والعياذ بالله وكذلك صاحبُه ءاصفُ بنُ برْخيا الذي جلب له عرش بلقيس بكرامةٍ أكرمه الله بها. وأخذ كفارُ بني إسرائيل يعملون بما في تلك الكتب، والحقُّ أن السحرَ ليس من عمل الأنبياءِ ولا الأولياء، وما كفَر سليمان لأنّه نبيٌّ من عند الله منزّه عن الكبائر وصغائرِ الخِسَّة وعن كل القبائحِ والرذائل فضلاً عن أنّه منزّه عن الكفر.

لما كثر السحرةُ الذين تتلمذوا على أيدي الشياطين في عهد سيدنا سليمان ُ وادَّعوا النبوةَ وتحدّوا الناس بالسحر، أنزل الله ملَكين من ملائكته الكرام وهما هاروت وماروتُ ليعلّما الناسَ ما هو السحرُ فيتمكنوا من تمييز السحر من المعجزة، ويتبين كذبُ السحرةِ في دعواهم النبوة، ولكي لا يلتبس على بعض الناس حالهم، فإنّ السحرَ يعارَض بسحرٍ أقوى منه فقد يبطل السحر ساحر آخر. وفيه التمويه والتخييل على الناس، وخُدع وشعوذات، ومن جهةٍ أخرى هو نوعٌ من خدمة الشياطين للسحرة لأن الشياطين أجسام خفيه لا يراها الناس، ويكونُ السحرُ أحيانًا بوضع تركيبةٍ من موادَّ معينةٍ تُجمع وتُحرق ويتخذُ منها رماد وحِبرٌ ويُقرأ عليها كلمات وأسماء ثم تستعمل في ما يحتاجُ إليها من السحر.

وأما المعجزةُ فهي أمرٌ خارق للعادة لا يعارض بالمِثْل، يظهر على يدِ مدّعي النبوة وقد يكونُ مقرونًا بالتحدّي. نزلَ الملَكان هاروت وماروت ليظهرا للناسِ الفرقَ بين السحر المطلوب تجنُّبه، وبين المعجزةِ التي هي دليلُ نبوّة الأنبياء عليهمُ السلام، فكانا يعلّمان تعليمَ إنذارٍ لا تعليمَ تشجيع له، كأنهما يقولان: لا تفعل كذا، كما لو سأل سائل عن صفة الزنا أو القتل فأُخبر بصفته ليجتنبه، أو يقولان: فلا تكفر، أي فلا تتعلم السحرَ معتقدًا أنّه حقّ فتكفُرَ. وكانا لا يُعلّمان أحدًا حتى ينصحاهُ بأنهما جُعلا ابتلاءً واختبارًا، وبيَّن اللهُ في القرآن أن الملكيْن أقصى ما يعلّمانه هو كيفَ يُفرّف بين الرجل وزوجته، وأن ضرر ذلك لا يكونُ إلا بمشيئة الله، لأنَّ اللهَ تعالى هو الذي يخلق النفع والضرر، ثم أثبتَ تعالى أنّ من يتعلم السحر ويرتكبه فهو ضرر عليه ويعودُ عليه بالوبال.

لا يوجد في التوراة العبرانية قصة عن نزول ملائكة إلى الأرض واختلاطهم بالبشر إلا القصة الواردة في سفر التكوين عن دخول أبناء الله ( أي الملائكة) على بنات الناس بعد أن رأوا من حسنهن وجمالهن، فولدن لهم أولاداً عمالقة كان بهم ابتداء الشر على الأرض. (التكوين 6: 1-5). ولكن الأسفار غير القانونية قد توسعت في هذا الموضوع وأسهبت معتبرة أن هؤلاء الملائكة الذين هبطوا هم الذين تحولوا إلى شياطين، وتحول كبيرهم إلى إبليس.

ولكننا نعثر في الفولكلور اليهودي على قصة هبوط ملكين إلى الأرض أحدهما يدعى عزازيل والآخر شمهازي، وذلك ليثبتا للخالق تفوق الملائكة على الإنسان في الأخلاق وفي طاعة الله، وأن الإنسان غير جدير بالدور الذي رسمه الله له. ولكن شمهازي ما لبث أن وقع في حب امرأة تدعى الزُهرة وطلب وصالها، ولكنها تمنعت واشترطت عليه أن يطلعها على اسم الله الأعظم الخفي، ففعل ذلك. وما أن حازت على الاسم حتى استخدمت قوته في الصعود إلى السماء قبل أن تفي بوعدها لشمهازي، ولكن الله أوقفها بين أفلاك الأجرام السماوية السيارة، وحوّلها إلى الجرم المعروف بكوكب الزُهرة أو كوكب فينوس.

إن آدم عليه الصلاة والسلام لما هبط إلى الأرض قالت الملائكة أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله لملائكته هلموا ملكين من الملائكة فتمثلت لهما فنظر كيف يعملان قالوا ربنا هاروت وماروت قال فاهبطا إلى الأرض فتمثلت لهما الزهرة امرأة في أحسن البشر فجاءاها يسألانها نفسها فقالت لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك قالا والله لا نشرك بالله أبدا فذهبت عنهما ثم رجعت إليهما ومعها صبي تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا والله لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بقدح من الخمر تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة والله ما تركتما من شيء أبيتماه عليّ إلا فعلتماه حين سكرتما فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا‏.‏

هناك رواية مشابهة للوراية الأولى تقول:

" كان من أمر هاروت وماروت أنهما طعنا على أهل الأرض في أحكامهم فقيل لهما إني أعطيت بني آدم عشرا من الشهوات فبها يعصونني قال: هاروت وماروت: ربنا لو أعطيتنا تلك الشهوات ثم نزلنا لحكمنا بالعدل فقال: لهما انزلا فقد أعطيتكما تلك الشهوات العشر فاحكما بين الناس فنزلا ببابل ديناوند فكانا يحكمان حتى إذا أمسيا عرجا فإذا أصبحا هبطا فلم يزالا كذلك حتى أتتهما امرأة تخاصم زوجها فأعجبهما حسنها واسمها بالعربية الزهرة وبالنبطية بيدخت وبالفارسية أناهيد. فقال أحدهما لصاحبه إنها لتعجبني قال الآخر قد أردت أن أذكر لك فاستحييت منك. فقال الآخر هل لك أن أذكرها لنفسها؟ قال نعم ولكن كيف لنا بعذاب الله؟ قال الآخر إنا لنرجو رحمة الله فلما جاءت تخاصم زوجها ذكر إليها نفسها فقالت: لا حتى تقضيا لي على زوجي فقضيا لها على زوجها ثم واعدتهما خربة من الخرب يأتيانها فيها فأتياها لذلك فلما أراد الذي يواقعها قالت ما أنا بالذي أفعل حتى تخبراني بأي كلام تصعدان إلى السماء وبأي كلام تنزلان منها فأخبراها فتكلمت فصعدت فأنساها الله تعالى ما تنزل به فثبتت مكانها وجعلها الله كوكبا فكان عبدالله بن عمر كلما رآها لعنها وقال هذه التي فتنت هاروت وماروت فلما كان الليل أرادا أن يصعدا فلم يطيقا فعرفا الهلكة فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا فعلقا ببابل وجعلا يكلمان الناس كلامهما وهو السحر".

هاروت وماروت : ما زالا يعذبان ؟!

معلقان في بئر بابل

كانت ببابل من سواد الكوفة كانا ملكين هما هاروت وماروت كانا من اعبد الملائكة ولما رأت الملائكة ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثه في زمن سيدنا إدريس عليه السلام عيروه بذلك ، وقالوا : باربنا هؤلاء الذين جعلتهم خليفة في الأرض يعصونك ؟ فقال الله تعالى : لو أنزلتكم إلى الأرض ، وركبت فيكم ما ركبت فيهم لا رتكبتم ما ارتكبوا ، قالوا : سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نعصيك فقال الله تعالى :فأختاروا ملكين من خياركم أهبطهما إلى الأرض ، فأختاروا هاروت وماروت ، وكانا من اعبد الملا ئكة فركب الله تعالى فيهما الشهوة ، وأمرهما أن يحكما في الأرض بين الناس بالحق ، ونهاهما عن الشرك والقتل بغير الحق ، والزنا وشرب الخمر ، فكانا يقضيان بين الناس يومهما ، فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم وصعدا إلى السماء  فأختصمت أليهما ذات يوم امرأة يقال لها الزهرة : وكانت من أجمل النساء من أهل فارس ، فأخذت بقلبيهما، فراودوها عن نفسها ، فأبت ، ثم عاودت ، في اليوم الثاني ، ففعلا مثل ذلك فأبت ، وقالت إلا أن تعبدا ما أعبد ، وتصليا لهذا الصنم ، وتقتلا النفس ، وتشربا الخمر، فأبيا هذه الأشياء ، وقالا : إن الله نهانا عنها، فأنصرفت ، ثم عادت في اليوم الثالث فراودوها ، فأعرضت، عليهم فقالت لهم ما قالت با لأمس ، فقالا : الصلاة لغير الله ذنب عظيم ، وأهون الثلا ثه شرب الحمر م، فشربا ، وأنتشيا ، ووقعا بالمرأة ، فلما فلما فرغا رآهما انسان فخافا أن يظهر عليهما فقتلاه.

وتمام القصة أنهما لما قارفا الذنب وجاء المساء هما بالصعود ، فلم تطاوعهما أجنحتهما ، فعلما ما حل بهما فقصدا إدريس عليه السلام فأخبراه ،وسألاه الشفاعه إلى الله تعالى فشفع فيهما ، فخيرهما الله تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الأخرة، فأختارا عذاب الدنيا لانقطاعه ، فهما يعذبان في بئر ببابل، منكسا معلقا بالسلاسل من أرجلهما ، مزرقه أعينهما، ليس بينهما وبين الماء إلا قدر أربعة أصابيع ، وهما يعذبان بالعطش

امرأة على زمن الرسول شاهدتهما معلقين

روى الحاكم في المستدرك عن عائشـة أم المؤمنيـن رضي الله تعالى عنها قالت : قدمت امرأة من أهل دومة الجندل عليّ تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته بيسير تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر لم تعلم به قالت : فرأيتـها تبـكي حين لم تجد رسـول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنـي لأرحمها من كثرة بكائها وهي تقول : إني أخـاف أن أكـون قد هلكـت . فسـألتها عن قصتـها فقالت لي : كان لي زوج قد غـاب عنـي فدخلت عليّ عجـوز فشـكوت لها حالي فقالت : إن فعلت ما آمـرك به فإنه يأتيـك بعلك فقلت : إني أفعل فلمـا كان الليـل جاءتنـي بكلبيـن أسـودين فركبـت أحدهمـا وركبـت الآخـر فلـم يكـن بأسـرع حتى وقفنـا ببـابـل فإذا أنـا برجليـن معلقيـن بأرجلهـما فقـالا : مـا حـاجتـك ؟ ومـا جـاء بـك ؟ فقـلت : أتعـلم السـحر فقالا : إنـما نحـن فتنـة فلا تكفـري وارجعـي . فأبيـت وقلـت : لا أرجـع . قـالا : فاذهبـي إلى ذلك التـنور فبولي فيـه . فذهبـت إليـه فاقشـعرّ جلـدي ففزعـت منه ولم أفعـل ، فرجعـت إليهـما , فقالا لي : فعلت , قلت : نعم ، قالا : هـل رأيت شـيئا ؟ قلـت : لم أر قالا : لم تفعـلي لم تفعلـي , ارجعـي إلى بلادك لا تكـفري فأبيت فقالا : اذهـبي إلى ذلك التنـور , فبـولي فيـه . فذهبـت إليه فا قشـعرّ جلـدي وخفـت ثم رجعت إليـهما فقالا لي : ما رأيت ؟ إلى أن قالـت : فذهبـت الثـالثة فبـلت , فرأيت فارسـا مقنعـا بالحديـد خـرج مني حتى ذهب إلى السماء ! فأتيـتهما فأخبـرتهـما فقالا : صدقـت ذاك إيمانك خرج منـك ، اذهبـي , فقلت للمرأة : والله ما علمت شـيئاً ولا قالا لك شـيئاً فقالت لي : بلـى لن تـريـدي شـيئاً إلا كان خذي هـذا القمح فابذريه.

كلمة " بابل " في اللغة الأكادية تعني "باب الإله"، وقد سماها الأقدمون بعدة أسماء منها: " بابلونيا "، أرض بابل ما بين النهرين، وبلاد الرافدين، وبابيلا ( باب الإله ) بابل مدينة قديمة بأرض بلاد مابين النهرين ( نهري دجلة والفرات)، وهي ( بعد سقوط آشور) قاعدة الإمبراطورية البابلية. وقد ظهرت الحضارة البابلية ما بين القرنين (18 ق.م) و (6 ق.م)

وتجدر الاشاره هنا أنها مدينة أثرية أثرت في الأدب الروماني واليوناني من خلال الأعمال الادبية مثل ملحمة جلجامش وملحمتي الإلياذة والادويسة اللتين تنسبان إلى هوميروس والادويسه. وهذه الملاحم تصور البحث عن الهوية كإنسان والبحث عن الخبرة والتجربة فضلا ًعن البحث عن الخلود.

ومن جانب آخر تعتبر هذه المنطقه ملاذا للأجسام الطائرة المجهولة (اليوفو) أو للأضواء الغربية حيث ذكر العديد من شهود عيان مشاهدتهم لها وهي تصدر أضواء وتحلق في سماء بسرعة فائقة تاركة وراءها الحيرة والدهشة لدى سكان هذه المنطقة

بما أن العلم الذي أتى به هاروت وماروت هو علم منزل من الله تبارك وتعالى فهو علم رباني أو علم ملائكي ، خصوصاً أنه شمل الجن عموماً مؤمنهم وكافرهم، لقوله تعالى (وَمَا يُعَلِمَانِ مِنْ أَحَدٍ)، فقوله (مِنْ أَحَدٍ) ليس فيه تخصيص لشياطين الجن من دون المسلمين، وهذا ينفي الزعم الباطل بأنه سحر، فالجن الصالح لا يتعلم السحر لحرمته، وعلى هذا يحمل معنى الآية على تعليم الملكين للجن عمومًا، مؤمنهم وكافرهم، مما يدل على أن الجن المسلمين لهم نصيب من هذا العلم، مما يمنحهم القدرة على مواجهة سحرة الجن بهذا العلم، قال تعالى: (حَتَى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ)، فالدخول في الكفر لا يتحقق إلا بالخروج من الإيمان، أو بالإيغال في الكفر من بعد كفر، وعلى هذا يتحقق أن من يتعلمون هذا العلم ليس شرطا أنهم شياطين في الأصل، ولكن يدخل في تعلمه الجن المسلم أيضاً، لكن بطبيعة الحال ليس هذا العلم مما هو متاح لدى كل جني، إنما متاح لخاصتهم وأكابرهم، فلو أتيح هذا العلم لسفهاء الجن وعامتهم لصارت فوضى نتيجة سوء استخدامه، فمن البديهي وجود أن الشياطين يستخدمون علم الملكين هاروت وماروت في أفعال الشر والضرر، وهو علم شريف منيف يمكن استغلاله في الخير كما يمكن استغلاله في الشر، فحامل هذا العلم في وضع اختبار، فأدخلوا هذا العلم في السحر، ثم نسبوا علم السحر إلى الملكين الكريمين هاروت وماروت، فالعلة ليست في علمهما ولكن العلة فيمن يستخدم علمها في الشر لا في الخير، فأساءوا بذلك إلى العلم المنزل من الله على الملكين كما أساءوا إلى سليمان عليه السلام، وما هو إلا ابتلاء للجن واختبار لهم، فاستخدموه فيما يضر ولا ينفع، هذا لأن السحر ضرر محض لا نفع فيه، قال تعالى: (وَيَتَعَلَمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ)، وهذا فيه إشارة على أن شياطين الجن كانت تدلس على سحرة الإنس من اليهود، فتضع مع علوم السحر وفنونه بين ما هو من جملة علم هاروت وماروت، خاصة وأن بعض أنواع السحر تستخدم فيه بعض الأسماء الشريفة والآيات الكريمة من الكتب المنزلة، وبذلك يدلس عليهم ويحسبون أنهم على حق

يقول ابن كثير: " وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء، وكان من أمرهما ما كان، وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده. وعلى هذا فيكون الجمع بين هذا وبين ما ورد من الدلائل على عصمة الملائكة أن هذين سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصاً لهما، فلا تعارض حينئذ، كما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق. مع أن شأن هاروت وماروت على ما ذكر أخف مما وقع من إبليس لعنه الله تعالى" .

وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: " ويجاب أن عصمة الملائكة ما داموا بوصف الملائكة، أما إذا انتقلوا إلى وصف الإنسان فلا وأما تعليمهما السحر، فإنه كان لغرض صحيح، وهو بيان حقيقة السحر للناس، وأنه من فعل الشياطين، وأنه كفر وحرام" . وقال بعض أهل العلم: إنما نزلا لبيان اجتناب السحر لا لبيان فعله. والله أعلم

ملائكة الله لا يعصون اللهَ ما أمرهم ويفعلونَ ما يؤمرون، وبرأيي الشخصي أن كل القصص التي اتهمت الملائكة بالوقوع بالخطأ مجرد تضليل وتشويه لما جاء بالقرأن والسنه عن هذه القصة فالملائكة خلقت لطاعة الله وليس لمعصيته ونزولها للأرض يكون أمر من الله لتوصيل رساله أومناصرة الأنبياء والرسل.

1 comment: