Thursday, September 15, 2011

ظاهرة الهيستريا الجماعية


كثيراً ما يستخدم الاخصائيون النفسيون ما يسمى بحالة "الهستيريا الجماعية " لدى محاولتهم إيجاد تفسيرات لأمور توصف على أنها خارقة أو ماورائية (وفق نظر البعض) حيث لم يقتصر حدوثها على شخص واحد ليجري تفسيرها على أنها هلوسة أو وهم أو حالة مرضية أو نفسية وإنما تعدى حدوثها ليشمل جماعة من الناس وكأنها عدوى وبائية أصابت عقولهم فأثرت على حالتهم النفسية والجسدية في آن معاً، وقد تكون " الهستيريا الجماعية " أيضاً مخرجاً لأولئك الذين يرفضون حدوث أمور خارقة للعادة فيكتفون بالتنظيرات النفسية والتفسيرات الطبيعية إلا أن ذلك قد يبعدهم عن واقع الأمر أحيانأً.

على أية حال لا يمكن إغفال دور "الهستريا الجماعية" لدى دراسة الكثير من التقارير رغم أن طريقة إنتشارها في الجماعة وآلية عملها ما تزال مبهمة أمام الباحثين ، ويشهد التاريخ حدوث العديد منها حيث ذكرنا بعض الأمثلة ، فما هي الهستريا أولاً ؟ (الصورة هي عمل فني بعنوان " هستريا جماعية " لـ جيروين شخت- هولندا - 2010 وهو عمل سريالي بقلم الرصاص ).

الهستيريا وفق الإستخدام الدارج للكلمة هي حالة ذهنية لا يمكن عندها التحكم بالأحاسيس . فالناس الذين يوصفون بأنهم "هستيريون" كثيراً ما يفقدون السيطرة على أنفسهم نتيجة لحالة من الخوف المهيمن الذي قد يكون ناجماً عن أحداث متعددة في الماضي تتضمن نوعاً من الصراعات الحادة ، يمكن للخوف أن يتمركز على جزء من الجسم ، أو أن يكون مشكلة متصورة في الذهن عن جزء ما من الجسم في الحالات الأكثر شيوعاً، أو أن يكون شكوى مألوفة من مرض كما في إضطرابات المزاج

عموماً يستخدم الطب الحديث مصطلح "هستيريا" فقط كنوع من التصنيف التشخيصي، ويستعيض عنه بوصف أكثر دقة مثل إضطراب الجسدنة Somatization Disorder وهو عملية تجسيد القلق النفسي أو التعبير عنه بأعراض جسدية . وفي عام 1980 قام اتحاد الاطباء النفسيين الامريكيين رسمياً بتغيير تشخيص "عصاب هستيري متحول" إلى "اضطراب التحول".

في العالم الغربي وحتى القرن الـ 17، كان يشار إلى الهستيريا على أنها حالة مرضية تصيب النساء تحديداً وتكون ناجمة عن اضطرابات في الرحم (وقد جاءت كلمة هستيريا أصلاً من كلمة إغريقية هي هيسترا "hystera" وتعني "الرحم"). ويعزى أصل مصطلح "هستيريا" إلى أبقراط حتى وإن لو لم يجري إستخدامه في الكتابات التي تعرف مجتمعة باسم "جسم أبقراط".

ويشير جسم أبقراط إلى مجموعة متنوعة من أعراض المرض منها الاختناق و مرض هيراكليس التي تسببها (كما يفترض) حركة رحم المرأة إلى مواقع مختلفة داخل جسدها مما يؤدي إلى جعل رحمها خفيفاً وجافاً نظراً لإفتقاره إلى السوائل الجسمية. وكان يوصى بـ الحمل كعلاج لمثل هذه الأعراض ، لأنه بدا أن الممارسة الجنسية (الجماع) ستبلل الرحم وتسهل عمل الدورة الدموية داخل الجسم.

والآن يعتبر العديدون الـ " هستيريا " تشخيصاً جرى توارثه عبر الاجيال لكنه يضم العديد من التشخيصات المتنوعة فيه ولا سيما بسبب اللائحة الطويلة من المظاهر المحتملة ، وقد ذكرها أخصائي من العصر الفيكتوري في لائحة ضمت 75 صفحات ومع ذلك اعتبرها لائحة غير مكتملة.

تميز النظريات الحالية والمصطلحات النفسية بين نوعين من الإضطرابات التي نعتت سابقاً باسم 'هستيريا' وهي الإضطرابات الجسدية والفصامية. وتشمل الإضطرابات الفصامية فقدان الذاكرة الفصامي والشرود الفصامي واضطراب الهوية الفصامي و اضطراب تبدد الشخصية و لا تنص على خلاف ذلك.

بالإضافة إلى ذلك ، نجد بعض المتلازمات المقيدة بثقافة معينة مثل " هجمات الأعصاب " التي تم تحديدها لدى السكان ذوي الأصول الإسبانية وانتشرت في فيلم "المودوفار" الذي حمل عنوان " نساء على شفا الإنهيار العصبي " الذي يعتبر مثالاً عن الظواهر النفسية بنوعيها الجسدي والفصامي حيث جرى ربط أعراضها بالصدمات النفسية.

وقد أظهرت البحوث العصبية في الآونة الأخيرة أن هناك أنماطاً مميزة لنشاط الدماغ مرتبطة بتلك المناطق ويعتقد أنها إضطرابات لاواعية ، فهي ليست مختلقة أو تندرج ضمن التمارض المتعمد.

يستخدم مصطلح هستيريا أيضاً في عبارة "هستيريا جماعية " Mass Hysteria لوصف ردود أفعال ذعر الجمهور وهي مهما اختلفت أسماؤها مثل: هستيريا المجموعة أو مرض الجمهور ذو المنشأ النفسي أو السلوك الجماعي الوسواسي هي ظاهرة نفسية إجتماعية تتجسد فيها نفس الأعراض الهستيرية في أكثر من شخص واحد . ومن الأمثلة الشائعة في الهستيريا الجماعية هو إعتقاد مجموعة من الناس بأنهم يعانون من نفس المرض أو الإعتلال

لقد كان لحوادث متنوعة صلة مع الهستريا الجماعية نذكر منها محاكمات الساحرات ومؤامرات ثورة العبيد وهي أحداث يمكن فهمها بشكل أفضل من خلال مصطلح " الذعر المعنوي " في علم الإجتماع (السيسيولوجيا) الذي يهتم بدراسة بنية وتطور المجتمعات البشرية.

كما يستخدم مصطلح " هستيريا جماعية" عادة لوصف موجات من المشاكل الطبية التي تشيع بين الجميع كرد فعل على مقالات إخبارية . ونجد إستخداماً مشابه لمصطلح "الهستريا الجماعية" يشير إلى أي نوع من ظواهر "الموجة العامة " ، وقد سبق استخدام المصطلح لوصف الإهتمام العام بتقارير الأجسام الطائرة المجهولة (يوفو) وفي ظاهرة دوائر المحاصيل وأمثلة أخرى مشابهة من آن لآخر .

تبدأ الهستيريا الجماعية عندما يكون فرد ما مريضاً أو مصاباً بـ هستريا خلال فترة من الإجهاد ، وبعد أن تظهر الأعراض الأولية عليه تبدأ أعراض مشابهة بالظهور على الآخرين مثل الغثيان ووهن بالعضلات أو النوبات أو الصداع.

لم يوجد لملامح الهستيريا الجماعية أي سبب معقول حتى الآن فأعراضها غامضة وتتصاعد على نحو سريع في الحالات ، وتنتشر غالباً على مد النظر في الأماكن بين الناس وعدد الحالات يكون أعلى في الإناث وأولئك الذين يحظون بالكثير من الخدمات الطبية، وغالباً ما تعزى مشاهدات الـ "معجزات دينية" إلى الهستيريا الجماعية بحسب رأي النفسانيين.

كلما انتشرت أفكار غير عادية بين السكان اشتعلت الهستيريا الجماعية حيث يمكن أن تندلع في أي مكان وفي أي وقت بدءاً من المجتمعات التي يقال عنها أنها "مجتمعات معقدة " إلى أقصى الأماكن الريفية النائية ، فالهستيريا الجماعية جنون يغذيه حاجة الإنسان الفطرية لتجاوز واقعه الدنيوي ونذكر فيما يلي أمثلة :

في يوليو 1518 حدثت حالة من هوس الرقص في ستراسبورغ - فرنسا ، حيث ذهب الكثير من الناس إلى الشوارع وبدأوا يرقصون دون راحة. وفي غضون شهر انضم ما لا يقل عن 400 شخص في الرقصوعوضاً من تقديم سبل العلاج لهم شجعت السلطات على المزيد من الرقص حيث تم فتح مقرين من النقابات وسوقاً كان للحبوب بهدف توفير مساحة لمزيد من الراقصين، حتى أنهم أقاموا خشبة مسرح لهذا الغرض. والسبب الذي دعى السلطات إلى فعل ذلك ناجم عن ظنهم بأن الراقصين سيتعافون فقط إن استمروا برقصهم ليلاً ونهاراً. لكن في نهاية الأمر مات معظم هؤلاء الناس نتيجة لنوبات قلبية أو سكتات دماغية ، أو من الإرهاق.

ويعتقد في السنوات الأخيرة أن مرض الجمهور ذو المنشأ النفسي Mass Public Psychogenic والتسممم بفطر أرغوت (مرض يصيب الحنطة) والإضطرابات العصبية تفسر "طاعون الرقص" هذا.

في نوفمبر 1938 وردت سلسلة من الإبلاغات عن حدوث هجمات على السكان المحليين وكان معظمهم من النساء في هاليفاكس - إنكلترا ، حيث زعم الضحايا أنهم تعرضوا للهجوم من قبل رجل غامض يحمل مطرقة وإبزيماً ساطعاً على حذائه.

وبعد أن جاء العديد من الضحايا مدعين تعرضهم للهجوم من قبل هذا ا لجزار اعترفت إحداهن أنها افتعلت إصابتها ، وفي وقت لاحق اعترف ضحايا أخريات بنفس الأمر، فرفضت الشرطة مناقشة القضية بعد أن رأت أنها عبارة عن "هستيريا جماعية ".

ي تنغانيكا - تنزانيا من عام 1962 اندلعت هستيريا جماعية أو مرض الجمهور ذو المنشأ النفسي MPI حيث قيل أنها حصلت في قرية تطل على الساحل الغربي لبحيرة فيكتوريا.

في البدء كانت نكتة قيلت في مدرسة داخلية وهذه النكتة أثارت مجموعة صغيرة من الطلاب فبدأوا بالضحك فانتشر الضحك وانتشرت كثيراً حتى لم يعد بإمكان طلاب المدرسة بأكملها التوقف عن الضحك وفي نهاية الامر تم إغلاق المدرسة.

لكن القصة لم تنتهي هنا ، إذ أن الضحك انتشر إلى القرى المجاورة والمدارس وتأثر به الآلاف من الناس وبعد مرور 6 الى 18 شهراً على بدء تلك الظاهرة العجيبة انتهت.

ي شهر يونيو من عام 1962 انتشر مرض غامض في قسم صناعة الملابس من مصنع للنسيج في الولايات المتحدة وشملت أعراضه : الخدر والغثيان والدوار والتقيؤ. وقيل أن حشرة بإمكانها لسع ضحاياها ومن ثم ينتج عنها تلك الأعراض المذكورة سريعاً.

جرى تشخيص 62 موظفاً بهذا المرض الغامض فيما نقل بعضهم الى المستشفيات وذكرت وسائل الاعلام هذه القضية وبعد التقصي الذي قام به عدد من الأخصائيين والخبراء من مركز خدمات الصحة العامة الامريكية للأمراض المعدية خلصوا إلى إستنتاج مفاده بأنها حالة "هستيريا الجماعية ".

بينما اعتقد باحثون أن بعض العمال تعرضوا للسعات من الحشرة التي من المرجح أنها سببت هذه الأعراض مع أنه لا يوجد دليل على الإطلاق أن حشرة يمكن لها أن تتسبب بحدوث أعراض تشبه أعراض البرد (المذكورة أعلاه) كما لم تشاهد أبداً أية أدلة على آثار لسعات على العمال.


No comments:

Post a Comment